القبيلة والقبلية ليست شيئا محرما أو قبيحا حتى نحاربه أو ننفر منه

القبيلة والقبلية ليست شيئا محرما أو قبيحا حتى نحاربه أو ننفر منه

لو عدنا لتاريخ تلك الأيام في الجزيرة لوجدنا أن الشرف متعلق بحكم القبيلة و إدارة شؤونها و صيانة محارمها فالذي يحضى بكل هذه الخصال لا شك أنه شريف و هذه هي الأشياء التي كانت تصنع ” شرف النسب ” و إلا فمعلوم أن كل الناس من تراب و إلى تراب !.
هل هذا الشرف الذي ينتج عن هذه الأشياء شيء محترم ؟
لو عدنا إلى تاريخ قريش و علمنا أن رسول الله صلى الله عليه و سلم يقر بأن هناك نسب خير من نسب لوجب علينا التساؤل على أي أساس كان لقريش شرف في النسب ؟ .
هل كانت تفتح الأمصار ليعلى فيها اسم الله ؟
هل كانت توزع وجبات إفطار الصائم على الناس ؟
كانت قريش قبيلة تغير و تقاتل على جاهلية و تمنع أن يطوف أحد بالبيت إلا بثوب رجل من قريش الذين هم أهل الحرم و جاء في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال لعائشة و هي تسأله عن سبب رفع باب الكعبة فقال : ” إن قومك كانوا قد رفعوه ليدخلوا من يشاءون و يمنعوا من يشاءون !” . و كان في قريش من الأخلاق الذميمة الداعرة الشيء الكثير الذي تترفع سفاسف الناس أيام البداوة من فعله و مع هذا بقي لها شرف النسب و القيمة التي احتج بها رسول الله على الناس , فما هي تلك القيمة ؟
كانوا يمنعون الكعبة من القبائل الأخرى و يحمون الحرم ليس على شرع الله و لكن على 360 صنما حولها و يستغلون الكعبة كواجهة سياسية لهم مع القبائل .
و لكن تنظيمهم و صفاء نسبهم و الشيم الطيبة فيهم كحماية الجار و إطعام الجائع و حمل المنقطع و ابن السبيل و امتناعهم من الوقوع تحت المهانة و السلب كفلت لهم هذا الشرف و هو الذي يصفه أبو جهل فيقول : ” إن بني هاشم حملوا فحملنا وأعطوا فأعطينا وبذلوا فبذلنا حتى تجافينا على الركب وأصبحنا كفرسي رهان فقالوا منا نبي يأتيه الوحي من السماء فمتى ندرك هذه إلى آخر الدهر ” فهذه هي المآثر التي كانت قريش تحصل عليها و مع هذا قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ” أنا خيركم دارا و خيركم نسبا ” كما في الصحيح .
و كون قبيلة ما تعيش تحت إمرة عائلة واحدة أكثر من 500 عام لا يداس لها جانب و لا تخطف لها أنثى و لا حتى بعير , تاريخ لا يستهان به و لا يراها جاهلية محضة و حمقا إلا رجل يجهل الكثير عن ” حقيقة تقييم الأشياء ” و خذ مثالا على ذلك – لكي لا يقال يجري دعاية لقبيلته – خذ قبيلة ” شمر ” التي كان لها تاريخ عريق في المنعة و السيادة و كانت تدير شؤون أهلها و تحفظ حقوقهم عندما كان غيرهم يدفع من قوته و قوت عياله البعير و الشاة و البقرة وسق التمر للقبائل الأخرى لكي يتجنب ” صناعة التاريخ ” و يبقى هامشا ميتا يتغنى بسلام لا يختلف عن سلام العرب مع اسرائيل التي تدوس كرامتهم بالحذاء وهم يقولون ” نحن أمة سلام !! ” , فمتى كان فتور الهمة مفخرة و متى كان الاستضعاف دليل الحكمة ! .
نحن الآن ضعفاء و مع هذا نقر بأن أمريكا دولة عظمى و ناجحة في صناعة قوتها و نحاول أن نكون مثلها فلماذا عندما نناقش تاريخ قبيلة ما كانت قوية و ناجحة في إدارة نفسها ننظر لذلك بمنظور جاهلي و لا نحاول انصافها من أنها كانت فاعلة و مجتمعة و متكاتفة ثم نأمل أن نكون مثلها !.
كثيراً ما أقرأ نقداً لمفهوم القبيلة و القبلية و تاريخ القبائل و المشكلة أن ذلك يكون من أناس ليسو بأهل قبيلة أو ليسو بأهل تاريخ فمن أين ستأتي الموضوعية ؟
قد يكون فيهم من الصادقين و المتدينين و ” شرفاء الفكر ” و لكنه قليل و قليل جداً حتى أنك تشم من كلامهم رائحة العصبية لضياع التاريخ و الأنساب و الدعوة إلى ذلك ..
و كل هذا لأجل ماذا ؟
لأجل أن لا يذكر الناس شيئا يفتقده غيرهم ؟؟
عندما يغزو العراقي الكويتي و يستبيح السعودي الأفغاني و يحارب المصري في اليمن و يغتال السوري اللبناني , لا أحد يقول بأن أهل هذه الدول جهلاء و أهل جاهلية عن بكرة أبيهم و لا خير فيهم و لا في تاريخهم و نترك الذنب على الظروف التي فرقتنا و نبحث عن الجميل في بعضنا البعض و لكن عندما تتقاتل القبائل التي جهلت و نسيت دينها بسبب مقصود و مباشر من الأتراك لكي يقصوهم عن ” دفة التاريخ الأممي السياسي ” فتتقاتل هذه القبائل لأجل ” لقمة العيش ” و ليس ” برميل النفط ” تصبح جاهلة و تاريخها جاهلي أحمق و علينا أن نراها حديقة حيوان مليئة بالبعارين ! .
ليتك تعرف كم عند هؤلاء الجهلاء من صدق العهد و شيم الأخلاق الشيء لا تستطيع أنت الآن أن تجده في مجتمعك الاسلامي الحضاري !
هل تعرف ايها القارئ الكريم أن الرجل إذا قتل رجلا يأخذ عفشه و يرحل و يمهله أهل القتيل ثلاث ليال لا يلحقون به و إن لحقوا به قبلها أهدرت القبائل دمهم ؟
هل تعرف أن الفقير فيهم كان إذا اجتاحت ماله جائحة يعطيه كل فرد ناقة حتى تحمل و تلد فيرد الأم إلى صاحبها و يبقى الوليد له فلا تمر السنة إلا و له قطيع عظيم من الإبل ؟
هل تعلم أن الرجل إذا نزح إلى قبيلة حموه مما يحمون منه نسائهم و أبناءهم .
هل تعلم أن اللص الذي يخرج ليسرق إبل الناس دون ثأر أو إعلان حرب تهدر القبائل دمه و لو قتل لا تنتصر له ؟
فلماذا كل هذا الجور تجاه تاريخ القبائل ؟
الحسد ؟ أم سوء الفهم ؟
هذه هي الحقيقة و لا ينبغي للمرء أن يكذب على نفسه ! ..
هل الإنتساب إلى القبيلة حرام ؟؟
هل الفخر بمآثر القبيلة الحميدة حرام ؟؟
هل الفخر بكون القبيلة الفلانية كانت ذات منعة و شرف حرام ؟
هل يوجد نسب خير من نسب ؟
ثبت عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : ( إن الله اصطفى كنانة من بني إسماعيل ، واصطفى قريشا من كنانة ، واصطفى بني هاشم من قريش ، واصطفاني من بني هاشم ، فأنا خيركم نفسا وخيركم نسبا ) .
و في رواية لأحمد صحح إسنادها أحمد شاكر : (وخلق القبائل فجعلني في خير قبيلة )
و هذا ما سأل عنه قيصر أبا سفيان عندما قال له كما في البخاري : ( قال لترجمانه : قل له كيف نسب هذا الرجل فيكم ؟ قلت : هو فينا ذو نسب ). فقال قيصر : ( إني سألتك عن نسبه فيكم فزعمت أنه ذو نسب ، وكذلك الرسل تبعث في نسب قومها ).
فالغريب أن حتى ” علوج فارس و الروم ” يعرفون للنسب قدره و يعرفون أنه شيء مادي واقعي مؤثر .
فهناك نسب خير من نسب و قبيلة خير من قبيلة كما أن هناك ” خلقة أجمل من خلقة و رجل أقوى من رجل !! ” فهي صفة ” مادية بحتة ” تولد مع الرجل نتيجة انتسابه لنسب ما .
هل تنفعه ؟, لا
هل هي ترفعه ؟ إن كان صالحاً فنعم و إن كان غير ذلك فلا ..
كما يرفع الفتاة الجميلة جمالها إذا صلحت على القبيحة التي تساويها في نفس الصلاح !.
هذه حقائق كونية ثابته ! .
و قد قال أبو يكر الصديق للأنصار كما في البخاري في حادثة البيعة بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( ما ذكرتم فيكم من خير فأنتم له أهل ، ولن يعرف هذا الأمر إلا لهذا الحي من قريش ، هم أوسط العرب نسبا ودارا ، وقد رضيت لكم أحد هذين الرجلين ، فبايعوا أيهما شئتم ، فأخذ بيدي وبيد أبي عبيدة بن الجراح ، وهو جالس بيننا )
فقال لهم بأن قريش ” أوسطهم نسباً ” و الوسط عند جمهور المفسرين هو ” الأخير ” و قد أقر الصحابة عن بكرة أبيهم فهم أبي بكر بل رضوا بأن يكون هذا ” مرجح من المرجحات لتولي الحكم ” فلم يقولوا بأن الاسلام يقول بأن الأنساب كلها سواء و أنه لا يوجد ” نسب شريف ” و نسب ” دون ذلك ” و ذلك لأنهم ” رجال يفهمون ” و يضعون مفاهيم الشريعة مواضعها و لا ينكرون شيئاً لينتصروا لذواتهم و أنفسهم !! .
وتأمل قول النبي صلى الله عليه وسلم: “أنا سيد ولد آدم، ولا فخر*! ” فيجوز أن تخبر دون أن تفخر ! , و قوله : ” أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب ” فقد قالها يفخر في الحرب على أعدائه و قرنها بعدم الكذب لأنه كان معلوم لدى أهل الجاهلية أن أشراف القوم و أهل الأنساب فيهم لا يكذبون على أعدائهم و ذلك كما في حديث أبي سفيان مع القيصر حيث قال أبو سفيان : ( وأمر بأصحابي فجعلوا خلف ظهري عند كتفي ، ثم قال لترجمانه : قل لأصحابه : إني سائل هذا الرجل عن الذي يزعم أنه نبي ، فإن كذب فكذبوه ، قال أبو سفيان : والله لولا الحياء يومئذ ، من أن يأثر أصحابي عني الكذب ، لكذبته حين سألني عنه ، ولكني استحييت أن يأثروا الكذب عني فصدقته ) و كما قالت هند بنت عتبه عندما طلب منها النبي صلى الله عليه و سلم أن تبايع على عدم الزنا فقالت هند : ” و هل تزني الحرة ؟ ” .
فقد كانت هناك ” شيم و أخلاق ” يمتاز بها أهل الشرف لا يمارسونها بينما يمارسها أهل الوضاعة و الاستضعاف و الصنعة المبتذلة مما هي من الأمور المشينة و لهذا تجد أن زواج الأمة محرم عند الشافعي لمن يستطيع نكاح الحرة لأن الأمة مبتذلة و عرضة للانتهاك فكذلك بعض الجماعات التي مرت عبر التاريخ سواء كانت قبائل هزيلة وضيعة كقبائل الغجر و المرتزقة أو حتى مجرد تجمعات بشرية مجتمعة في أماكن معينة تستوطنها فبعضها كان عرضة للانتهاك و الابتذال و هذا سبب منطقي و شرعي لجعل الانتساب لمثلها شيء يقلل من قدر المنتسب و هذا شيء حفظه التاريخ لا يختفي تحت هيلمات الجيل الأخير فالتاريخ لا يموت و لا تذروه الرياح ! .
الخيرية الذاتية مركب مادي معنوي متعلق بالتقوى فأكرمكم عند الله أتقاكم .
و هذا ما نهى الشرع عن التفاخر به بحيث تقول أنا خير منك لأني من قبيلة كذا و قد جاء في ذلك حديث عن أبي هريرة مرفوعا صححه المنذري و ضعفه العراقي : ( إذا كان يوم القيامة أمر الله مناديا ينادي : ألا إني جعلت نسبا ، وجعلتم نسبا ، فجعلت أكرمكم أتقاكم ، فأبيتم ، إلا أن تقولوا : فلان بن فلان خير من فلان بن فلان ، فاليوم أرفع نسبي ، وأضع نسبكم . أين المتقون ) .
فلا تقل فلان بن فلان خير من فلان بن فلان لأجل نسبه فهذا واضح !.
كذلك الذي يفخر بعظماء قومه الفسقة و الكفار ليس إلا جعلان كما وصفه رسول الله فهذا كله يجب أن يكون مفهوما.ً
أما ” شرف النسب ” فحقيقة مادية محسوسة متعلقة ” بحفظ النسب و نقائه و مآثر أهله في السيادة و الاجتماع على المنعة و الشرف ” .. فهي حقيقة لا ينكرها حتى الشرع بل ثبت في صحيح مسلم أن‏ ‏المستورد القرشي قال ‏ ‏عند‏ عمرو بن العاص : ‏سمعت رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏يقول ‏ ‏تقوم الساعة ‏ ‏والروم ‏ ‏أكثر الناس فقال له ‏ ‏عمرو ‏ ‏ أبصر ما تقول قال أقول ما سمعت من رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم , ‏قال ‏ ‏لئن قلت ذلك إن فيهم لخصالا أربعا إنهم ‏ ‏لأحلم ‏ ‏الناس عند فتنة وأسرعهم إفاقة بعد مصيبة ‏ ‏وأوشكهم ‏ ‏كرة ‏ ‏بعد فرة وخيرهم لمسكين ويتيم وضعيف وخامسة حسنة جميلة وأمنعهم من ظلم الملوك ) . فمدحهم هذا الصحابي الجليل بأنهم أهل منعة من الظلم فالذي يعيش في منعة من الظلم و الاستضعاف لا شك أن فيه ” شرف حكمة و خلق ” أهلته لأن يعيش هذه الحياة العزيزة الكريمة بينما أمضت تجمعات كثيرة حياتها تحت ظل الاستضعاف و المهانة مما يدل على قلة همتهم و قلة حكمتهم إن كان لديهم من العدد ما يكفي لبناء مجتمع مستقل يحمي نفسه و يدير نفسه بنفسه ! .
و النسب شيء مؤثر جاء الشرع باحترامه بل أن النبي صلى الله عليه و سلم عندما أراد حسان بن ثابت أن يهجو قريش حذره من أن يهجو أشخاصاً هم من نسب رسول الله صلى الله عليه و سلم أو يهجو أنسابهم فكان عليه السلام حريص على أن لا يسب نسبه كما في البخاري : ( قال حسان : قد آن لكم أن ترسلوا إلى هذا الأسد الضارب بذنبه – يعني نفسه – . ثم أدلع لسانه فجعل يحركه . فقال : والذي بعثك بالحق ! لأفرينهم بلساني فري الأديم . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تعجل . فإن أبا بكر أعلم قريش بأنسابها . وإن لي فيهم نسبا . حتى يلخص لك نسبي . فأتاه حسان . ثم رجع فقال : يا رسول الله ! قد لخص لي نسبك . والذي بعثك بالحق ! لأسلنك منهم كما تسل الشعرة من العجين ) .
فكان النبي صلى الله عليه و سلم يخشى أن يطال الأولين ممن ينتسب اليهم شيء من هجاء حسان فيصبح مدحه ذما لرسول الله.
و روى الهيثمي في المجمع و قال سنده مرسل رجاله رجال الصحيح عن ابن أبي الحسين : ( كانت درة بنت أبي لهب عند الحارث بن عبد الله بن نوفل فولدت له عقبة والوليد وأبا مسلم ثم أتت النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة فأكثر الناس في أبويها فجاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله ما ولد الكفار غيري فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم وما ذاك قالت قد آذاني أهل المدينة في أبوي فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صليت الظهر فصلي حيث أرى فصلى النبي صلى الله عليه وسلم الظهر ثم التفت إليها فأقبل على الناس فقال أيها الناس ألكم نسب وليس لي نسب فوثب عمر بن الخطاب فقال أغضب الله من أغضبك فقال هذه بنت عمي فلا يقل لها أحد إلا خيرا ) .
و معنى كلامه واضح ! , أنهم يسبون نسبه بذكر معايب رجال كانوا من قبيلته ! , و هو في نفس معنى الحديث الذي في الصحيح قبله .
و روى ابن سيرين قال : خطب الحسن بن علي إلى منصور بن سيار بن ريان الفزاري ابنته فقال والله إني لأنكحك وإني لأعلم أنك علق طلق ملق غير أنك أكرم العرب بيتا وأكرمه نسبا . و قال المنذري في المجمع : رجاله ثقات .
فزوجه لأجل كرم بيته أي أنه من بيت رسول الله و لأجل كرم نسبه لأنه من قريش و منصور هذا تابعي !! .
فكانوا يجعلون كرم النسب ” مطلباً ” في الأنكحة طبعاً بعد كرم الملة و الدين فإن جاءكم من ترضون دينه و خلقه فزوجوه .
بل أن في كتب الفقه مبحثاً كاملاً اسمه الأكفاء يعتبر فيه بعض الفقهاء ” التكافؤ في شرف النسب ” بين الزوجين من شروط صحة الزواج و هو المعتبر عند الحنابلة و الشافعية و الحنفية و مالك على خلاف ذلك .
بل إنه ثبت عن عمر بن الخطاب كما روى البيهقي في سننه أنه قال : ( لأمنعنّ فروج ذوات الأحساب إلاّ من الأكفاء ) و هو أثر قال الدكتور عبد الكريم زيدان بأن إسناده حسن .
و بغض النظر عن اعتبار هذا القول أو عدمه في مسألة الزواج و لكن المراد من ذكره هو إثبات أن ” شرف النسب ” أمر مقر به وجوداً و عملاً دون أن يكون ذلك في تصادم و تضاد للشريعة و هذه أقوال و أفعال صحابة كرام .
و ليس من المحرم أن يفخر الرجل بأن فلان الصالح من قبيلته و أن قبيلته كان منها فلان الأمين و فلان المجاهد و فلان الصالح و فلان الذي كان يمنع الظلم عن قومه فقد كان الصحابة رضوان الله عليهم يجمعون الكرامات و المآثر لقبيلتهم و يعددونها كما في حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال : ( افتخر الحيان من الأنصار الأوس والخزرج فقالت الأوس منا غسيل الملائكة حنظلة الراهب ومنا من اهتز له عرش الرحمن سعد بن معاذ ومنا من حمته الدبر عاصم بن ثابت ومنا من أجيزت له شهادته بشهادة رجلين خزيمة بن ثابت وقال الخزرجيون منا أربعة جمعوا القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يجمعه غيرهم زيد بن ثابت وأبو زيد وأبي بن كعب ومعاذ بن جبل ) رواه ابن عساكر في تاريخ دمشق و قال الحافظ : أصله في البخاري و قال الألباني : حسن صحيح و صححه العراقي .
و بعض الناس اليوم يطالب بإلغاء ذكر القبيلة في الاسم مطالبة ودية و يقول بأن القبيلة و الحديث عن تاريخها من العصبية و التعالي على الناس !!.
فهذا الداعي لذلك لا يعلم بأن حتى الدواوين عند الله مكتوبة فيها أسماء البشر بقبائلهم !! كما جاء في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص : ( أتدرون ما هذان الكتابان ؟ فقلنا : لا يا رسول الله ، إلا أن تخبرنا ، فقال للذي في يده اليمنى : هذا كتاب من رب العالمين ، فيه أسماء أهل الجنة ، و أسماء آبائهم ، و قبائلهم ، ثم أجمل على آخرهم ، فلا يزاد فيهم ، و لا ينقص منهم أبدا ، ثم قال للذي في شماله : هذا كتاب من رب العالمين ، فيه أسماء أهل النار ، و أسماء آبائهم ، و قبائلهم ، ثم أجمل على آخرهم ، فلا يزداد فيهم ) و صححه الألباني .
فكل الناس أبناء قبائل حتى أهل الصين و الهند و السند و لكن هناك من ” حفظ نسبه ” و هناك من ضاع نسبه فلا يعلمه إلا الله لأسباب كثيرة منها التشرد و الهجرة و الاستضعاف و غير ذلك .
ما الجريمة في أن يذكر الإنسان تاريخ قبيلته في حفظ نفسها و جمع كلمتها و فرض قيمتها و صناعتها لتاريخ خاص ؟
أنا لا أجبر أحدا على احترامي و لا أحلم بأن أكون أميرا و لا وزيرا و لكن لي تاريخ أتحدث عنه كما يتحدث كل أحد عن تاريخه ! .
و لم تكن القبيلة ميليشيا لا تقيم للخلق وزنا و لا ترى الناس إلا أنعاما تمشي على الأرض فقد كان بين القبائل مواثيق و عهود و كانت المراعي و الثارات هي السبب الأول و الأخير لمعاركهم و لا يعرف أن قبيلة كانت تغير على قبيلة ليس بينها و بينها حرب أو ثأر فتسلب مالها إلا أن تكون مجموعة لصوص يسمون ” الحنشل ” الذين لو ألقي القبض عليهم و قتلوا من قبل القبيلة الأخرى لم يكترث لهم أحد من قبيلتهم فالحنشل دمه هدر و لعلك لا تعرف هذا !. فليست حياة القبائل حياة ” قطاع طرق ” كما يفهم من يقرأ التاريخ من الصحافة و مسلسلات ” أبو ريالين ” ! .
بل أن هناك قبائل كثيرة كانت ترافق القبائل القوية و تحتمي بها و لم يفكر أحد باستعبادهم و بيعهم بيع العبيد لأنهم يرون ” أخذ الضعيف ” عارا و قتله خزيا و لك أن تراجع التاريخ .
و لم يأت الإسلام ليفرق شمل القبيلة و لا ليحاربها لأنها ” من الرحم ” بل حتى القبائل في موطن هو من مواطن ” مظنة الحمية ” كانت تقاتل صفا كل قبيلة مع أفرادها في جيش رسول الله صلى الله عليه و سلم كما في البخاري : ( فجعلت القبائل تمر مع النبي صلى الله عليه وسلم ، تمر كتيبة كتيبة على أبي سفيان ، فمرت كتيبة ، قال : يا عباس من هذه ؟ قال : هذه غفار ، قال : مالي ولغفار ، ثم مرت جهينة ، قال مثل ذلك ، ثم مرت سعد بن هذيم ، فقال مثل ذلك ، ومرت سليم ، فقال مثل ذلك ، حتى أقبلت كتيبة لم ير مثلها ، قال : من هذه ؟ قال : هؤلاء الأنصار ، عليهم سعد بن عبادة معه الراية ، فقال سعد بن عبادة : يا أبا سفيان ، اليوم يوم الملحمة ، اليوم تستحل الكعبة ) . و قال صلى الله عليه و سلم يمتدح قبيلة من قبائل اليمن تجتمع لوحدها لتعيل أبنائها دون أبناء المسلمين : (إن الأشعريين إذا أرملوا في الغزو ، أو قل طعام عيالهم بالمدينة ، جمعوا ما كان عندهم في ثوب واحد ، ثم اقتسموه بينهم في إناء واحد بالسوية ، فهم مني وأنا منهم ) و لم يقل لهم لماذا هذه العنصرية ؟ .
هناك من لا يعرف حدود الجائز من المحرم و لا يستطيع فصل ” الكوني ” عن ” الشرعي ” ثم يجعل ذلك تهمة يلفها في أعناق الناس ! .
و لو تكلمنا عن تاريخ من ليسو بأهل قبيلة فهل كان تاريخهم نور و سلام و أخلاق حميدة ؟؟
الشرك الذي ذكره محمد بن عبدالوهاب في قرى نجد من أن المرأة التي لا تحمل تتعرى و تحتضن ذكر النخل و تطلبه الولد هل كان أهل هذه القرى قبائلا رحلا أم سكانا لا يتبعون قبيلة ؟
هل سكان جدة القدامى ممن قذفهم البحر أو خلفهم الحاج و تركهم لهم تاريخ مضيء مشرق لا ظلم فيه و لا خزية ؟
لكل تجمع بشري ظروف تناسب أطماعه و تطلعاته هي التي تصنع الخير و الشر و ما تراه اليوم من فضائع حولك في مجتمعنا المتمدن هل هي أشياء تافهة لا اعتبار لها ؟
لماذا تاريخ القبائل فقط هو المظلم مع أنه صنع الكثير من المآثر الحميدة آخرها بناء هذه الدولة التي كان قادة جيوشها من أبناء القبائل بينما لا أعرف قائدا واحدا في جيش ابن سعود كان لا تعرف له قبيلة و من يعرف فليخبرني !.
العصبية القبلية منتنة و لا شك و لكن القبلية و التمسك بها كمفهوم نسب و تاريخ ليس كذلك و كان الأجدى بك يا أخي صالح أن تناقش موضوع سرقة الأنساب المتفشي هذه الأيام و كأنه حلال مباح مع أنه ثبت في الصحيح قوله صلى الله عليه و سلم ” لعن الله من انتسب إلى غير ابيه أو تولى غير مواليه ” .
نحن نحتاج لموضوعية شرعية لمناقشة الأمور فلا نزين ما نحبه بلباس شرعي لمجرد أننا نحبه و نتجاهل ما فيه من خير لمجرد أننا لا نحبه ! .

وأرجو من الأخوة الذين يحاولون خلط الأمور أن يكونوا أكثر موضوعية في ردودهم أو أن يتركوا النقاش فهو خير لهم ..
أنا أتفق مع أخي صالح في قوله :
– المقياس هو التقوى .
– العنصرية القبلية منتنة كما وصفها رسول الله .
– لا فضل لعربي على عجمي .
كل هذه الأشياء نصوص صريحة في الكتاب و السنة لا يرفضها إلا منافق أو كافر .
الكلام كله حول : هل القبيلة شيء ترفضه الشريعة ؟
هل الإسلام يقر بتفاوت الأنساب ؟
هل الاجتماع حول القبيلة كرحم و نسب و تاريخ مشترك شيء ترفضه الشريعة ؟
و قد أجبت عن ذلك من الكتاب و السنة و ليس من بنيات أفكاري .
و الأخ الذي يقول بأن القبيلة نتيجة التخلف هل سأل نفسه فقدان القبيلة كان نتيجة لماذا ؟
القبيلة نتجت عن حاجة فرضها واقع الجزيرة العربية في حينها عندما سقط نظام الإسلام و تم تهميش العرب من قبل الأتراك خشية أن يحصلوا على نفوذ في الخلافة فبعض التجمعات كان فيها من ” صلة الرحم ” و حكمة الإدارة أن اجتمعت على شيخ و شكلت جيشا و صارت تحمي نفسها و تعيل أطفالها و تحفظ نساءها عندما انعدم الأمن و لقمة العيش فشقت طريق الحياة بكرامة و لم تتفرق لتصبح طعاما سائغا لكل أحد و هذا ما وصفه عمرو بن العاص في مدحه للروم عندما علم أن الساعة تقوم و هم أكثر الناس كما في صحيح مسلم في قوله ” و أسرعهم إفاقة بعد مصيبة و أو شكهم كرة بعد فرة و أمنعهم من ظلم الملوك “.
فبناء القبيلة كان هو الإفاقة بعد مصيبة انحسار الإسلام و هو المنعة من الظلم و إلا فمعلوم أن أي رجل يقبل بحكم أي أحد له لن يطاله سوء و لكنه سيكون ذنبا لغيره و مستغلا و شبه مستعبد فجاءت القبيلة كتجمع بشري لتحمي أفراد رحمها من كل ذلك , فهل يلامون على حكمتهم و تجمعهم و حسن تنسيقهم لشؤونهم ؟؟
سبحانك هذا بهتان عظيم !.
هل الإسلام تحول إلى نصرانية يقال فيها ” إذا ضرب عدوك خدك الأيمن فأدر له خدك الأيسر ” ؟
أليس الإسلام الذي جاء ليجعل من يموت دون ماله أو عرضه شهيدا ؟؟
أليس الكتاب الذي نتحاكم إليه هو الذي يقول : ” و الذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون ” ؟
أما قتال القبائل لبعضها البعض فهو قتال على الكلأ و الماء الذي جعله الإسلام مشاعا لكل أحد لا يحق لأحد أن يمنع منه بقية خلق الله و لكن الذين يتقاتلون اليوم على المناصب و يثيرون الضغائن و يحفرون الحفر لبعضهم البعض و يحاربون الله و رسوله بالاكتتاب في الشركات الربوية و البنوك الربوية لماذا لا أحد يرى كبيرتهم كبيرة ؟ مع أنهم يحاربون الله و ليس أخوتهم و لا يحاربونه لأجل لقمة العيش و لكن لأجل التخمة و الاستزادة من المال و الكبر و الغطرسة ! . لماذا ننسى كل هذه الحروب الحية القائمة و نتحدث عن حروب جياع كانوا يقاتلون لكي يحصلوا على حقهم في البقاء على قيد الحياة ؟؟ ! .
هل ذهبت العنصرية من كل شيء و لم يبق منها إلا عنصرية القبيلة ؟
عندما ينشا بيننا مصطلح ” الجوفيون ” و نقرأ في كل مقال ” نحن الجوفيون ” مع أنه لا يوجد من يقول نحن العرعريون أو التبوكيون أو الطريفاويون أو الرفحاويون و يكتفي كل واحد منهم بأنه ” من أهل مدينة كذا ” بينما نحن جوفيون !! .
من هم الجوفيون هؤلاء ؟
المهاجرون و الأنصار مثلا ؟؟
إن كان ” الجوفيون ” هم من يسكن هذه البلد و يستوطنها اليوم فكل من يسكن الجوف جوفي و لو سكنها قبل يومين فلماذا نميزه عن غيره من أبناء هذه البلد أو عن المسلمين ؟؟
و إن كان الأمر غير ذلك فهي عصبية نتنة لا مبرر لها لا رحم و لا نسب كما هي مبررات متعنصر القبيلة !.
لماذا يحق لنا الإجتماع على ” قطعة حجر و حفنة تراب اسمها الجوف ” و لا يحق للقبلي أن يجتمع على ” اللحم و الدم و الرحم ” مع بني قومه !.
لماذا صار اسم القبيلة تخلفا بينما الانتساب للقرى على طريقة العجم الذين ضاع نسبهم صار تحضرا و شرفا ؟
قال الشيخ الدكتور عبد الكريم الخضير عضو هيئة كبار العلماء في شرح النخبة : “، وقد كانت العرب إنما تنتسب إلى القبائل، فلما جاء الإسلام وغلب عليهم سكنى القرى والمدائن حدث فيما بينهم الانتساب إلى الأوطان، كما كانت العجم تنتسب، وأضاع كثير منهم أنسابهم، فلم يبق لهم غير الانتساب إلى الأوطان، فلان المكي، فلان المدني، فلان الطائفي وهكذا، بعد أن كانوا فلان القرشي، فلان المخزومي، فلان الخزرجي، فلان..، بعد أن كانوا ينتسبون إلى القبائل صاروا ينتسبون إلى البلدان فأضاع كثير منهم الأنساب ” .
نحن لسنا عجما لنفعل ذلك ! , بل كان الفاروق رضي الله عنه ينكر ذلك و يخشى أن يكون سببا في ضياع عرق العرب فكان يقول للحجاج الذين يعرفون أنفسهم بأسماء قراهم : ( لا تكونوا كدهماء العراق إذا سئل الرجل منهم عن نسبه قال أنا من قرية كذا وكذا ) و كان يأمر من كان يعرف له قبيلة أن ينتسب إليها .
اليوم نجد الغيورين من أمثال الأخ صالح العضيب ينهى عن دراسة تاريخ القبيلة و جمعة و يغري الناس بإهمال تاريخهم و لكن جمع تاريخ الدول الوثنية التي حكمت دومة الجندل و جعله مفخرة للجوف يروج هنا و هناك لا يثير غيرة الغيورين على سيرة المصطفى صلى الله عليه و سلم و ينظر له من منظور علمي بحت بينما تاريخ القبائل المسلمة ندعى إلى تهميشه و نبذه ! .
هل كان تاريخ ملكات دومة الجندل الوثنيات تاريخا يخرج عن الشرك و القتال و النهب و السلب و مع هذا ينبري له المثقفون و يجعلونه شيئا مشرفا و يفخرون بكون دومة الجندل وجد فيها آثار للصنم صليم الذي كان يعبده يهود تيماء و هو من آثار تراث قوم ثمود كما ذكر ذلك الأستاذ إبراهيم الحميد في منشورة له حول آثار الجوف .
ثم يتم فتح مجلة ثقافية في الجوف تحمل اسم ” سيسرا ” الذي هو قائد وثني مشرك لملك من ملوك الكنعانيين و قد ورد اسم سيسرا في سفر القضاة عند اليهود ثم سمي بئر سيسرا على اسمه و اليوم نجد من يحيي ذلك بدعوى الثقافة و لا يتحدث عن جاهليته أحد , و لو فتحت قبيلة ما في الجوف مجلة باسمها تتحدث عن تاريخها لوجدت الجميع يتحدثون عن ” القبلية المنتنة ” فمال أنوف بعض القوم لا تشم نتن الوثنية و تشم في أبناء جلدتها المسلمين أقذع النتن ؟؟ .

كتبه م. جميل مونس الرويلي

منقول