( مخايلة البروق موسعة الخروق )


بسم الله الرحمن الرحيم
( مخايلة البروق موسعة الخروق )
كُتِبْ في عام 1418 هـ نبذة عن قبيلة الدواسر تَطرّق فيها لبعض
ألقاب القبيلة وقفت كثيراً عند قولهم (مخايلة البروق موسعة الخروق )
خشية الفهم السقيم خاصة وأني رأيت مبحثاً عن قبيلة الدواسر
لأحد الكتاب وفيه يقول :
قبيلة الدواسر قبيلة عربية النسب إليها دوسري ومنازلهم بواديهم
المعروفين به وادي الدواسر وبالأفلاج, ويقال عنهم (خيالة البروق )
أي أنهم بادية متنقلة إذا رأت البرق تتبعه أملاً في وجود الأرض
التي يصيبها المطر فتخضر ويزداد ويكثر مرعاها ..
ولهذه التسمية (خيالة البروق) قصة جميلة لا يمكن إيرادها كما هي (؟)
لأن فيها بعض الكلمات الغير صالحة للنشر!!
وهي تحكي قصة رجل غريب حل ضيفاً على رجل آخر وبعد أن أكرمه المضيف
سأل من أي العرب أنت يا رجل ؟ إلى أي قبيلة تنتسب ؟
فرد عليه قائلاً :
من خيالة البروق …… الخروق .
فأجاب : (هذولا ) الدواسر ولست منهم انتهى كلامه ..
الشاهد أن الشارح وقف عند العبارة السابقة على استحياء ظناً منه
أن تفسيرها مشيناً ولا أدري من أين أتى بهذا الفهم القاصر!
فالعرب تعرف المعنى من سياق جملة الحديث ككل ولا تأخذ المعنى
من مفرد الكلمة الواحدة دون النظر إلى بقية الكلام !!
ولكن صدق المتنبي إذ يقول :

وَكَم مِن عائِبٍ قَولاً صَحيحاً

وَآفَتُهُ مِـنَ الفَهـمِ السَقيـمِ

ولي حول ما قاله الكاتب وقفات لعله من المناسب نشرها الآن
لكي يفهم بعض افراد القبيلة المعنى الحقيقي واستطاعته
الرد على كل اصحاب الفهم القاصر والسقيم ..

وإليكم الوقفات :
1- ان صحة العبارة هي (مخايلة البروق) لا كما أوردها الكاتب (خيالة البروق)
إذ العبارة الأخيرة لا تستقيم فهي كلام غير مفهوم وغير مترابط .
فالمُخايلة وهي لهجة بعض القبائل تأتي بمعنى : المُعاينة
ومن قولهم خايل فلان أي : أنظر إليه أما الدواسر فيقولون :
عاين فلان ولا شك أن المُعاينة أفصح من المُخايلة ،،،،
أما الخيّالة بتشديد الياء : فهم الفرسان الذين يركبون الخيل
وفي المعجم الوسيط (1/267) : (الخيّال : صاحب الخيول . والخيّال : فارسها)
السؤال الذي يطرح نفسه هل يصح القول بأنهم يركبون البرق ؟؟
بالطبع لا ،،،
إنما المراد المعنى الآخر وهو أنهم ينظرون للبرق ولكن الخطأ
يكمن في رسمه لكلمة (خيالة) فلينتبه لذلك !!!
2- العبارة الأولى في غاية المدح فكيف يعقبها غاية الذم في العبارة الثانية !!
بمعنى كيف لمن صِفَتُهُمْ الشجاعة والرعي في أقطار الأرض كيفما شاءوا
أن يتصفوا بتلك الصفة القبيحة …!!!إ
لو نظرنا إلى جميع أوصاف القبائل ( هذا إن صحّت ) فهو إما مدحاً كله
أو ذماً كله, ولم يجمع بين الأمرين البتة ..
3- الصحيح أن المراد منها خلاف ما فُهِم وإنما يُقصد بكلمة الخرق هنا الثقب لا الدبر !
بمعنى أن الثقوب التي تسببها رماحهم واسعة لقوة رميهم ونفاد الرماح
في أجساد خصومهم أو لغلظها وما قد تسببه من أضرار لكون بعض رماحهم
تعرف بالمشلشل كما سيأتي.
أقول وان كان الدبر من معاني الكلمة إلا أنه لا يستقيم الكلام بها هنا
والمقصد من العبارة كما أسلفت بيانه للاعتبارات التالية :
‌أ – ورد وصفهم في الرواية الأخرى بأن (رماحهم جريد, وزرقهم بعيد) قال الجاسر :
(كجريد النخل لطولها, وزرقهم بعيد لقوتهم عندما يوجهون الرماح لأعدائهم )
(جريدة الرياض عدد 10508) وعند جمع الروايتين يتضح بأن المعنى قوة تأثير رماحهم.
‌ب – أن من معاني الخرق في لغة العرب : الثُقب
وقد ورد في القرآن الكريم قوله تعالى: (إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولاً)
(سورة الإسراء آية 37) :
وتفسيرها أي أنك لن تثقبها حتى تبلغ آخرها بكبرك . (الجلالين ص 369)
وكذلك تفسيرها في الآية الأخرى : ( أخرقتها لتغرق أهلها ) (سورة الكهف آية 71) .
وهو أيضاً من صميم كلام العرب ففي أشعارهم وردت بهذا المعنى, ومن ذلك قول :
(1) الشاعر / مالك بن الريب التميمي :
فَطَوراً تَراني في ظلالٍ وَنِعمَةٍ

وَطَوراً تَراني وَالعِتاقُ رِكابِيـا

وَيَوماً تَراني في رحىً مُستَديرَةٍ

تُخَرِّقُ أَطرافُ الرِماحِ ثِيابِيـا

(2) الشاعر / الشريف الرضي :

كَما خَرَقَ الرامي بِسَهمِ رَميِّـهِ

وَأَعرَضَ عِلماً أَنَّهُ سَوفَ يَعطَبُ

(3) الشاعر / مالك الهذلي :

مُكَبَّلَةً قَد خَرَّقَ السَيفُ حِقوَها

وَأُخرى عَلَيها حِقوُها لَم يُخَرَّقِ
(4) الشاعر / ابن نباته السعدي:
وأفلتَ نَقْفورٌ يُرَقِّعُ جِلْـدَه

وفيهِ لآثارِ السِّلاحِ خُروقُ

(5) الشاعر / أبو العلاء المعري:
يُخَرِّقُ دِرعَ المَرءِ سُمرُ رِماحِها

وَإِن كانَ مُرّاً في مَذاقَتِهِ خَرقـا

(6) الشاعر / أبو حيان الأندلسي :
لَهُ جُثَّةٌ عُظمى كَأنَّ إِهابَـهُ

صَفيحُ حَديدٍ لا يُخَرَّقُ بِالنَبلِ

4- أما لماذا لم يقل الساجع : (وساع الطعون) وهي المعينة ؟؟

فذلك لتحقيق السجع في آخر الكلمة (….روق), وهذا من عيوب السجع
الذي قد يؤدي إلى البعد عن المعنى الحقيقي كما ظن صاحبنا الكاتب .
وخلاصة الأمر :
أن المقصود من تفسير العبارة أن هذه القبيلة تمتلك من الإبل أطيبها
بحيث تسير في هواها وحاجتها فترعاها في أي ارض نزل الغيث بها
ولذا تجدها تنظر البرق كُلما لاح لتعرف مواطن الكلأ فتنزله وهذا هو
منتهى الشجاعة,كقول الشاعر العربي معاوية بن مالك (معوذ الحكماء) مفتخراً :

إذاسقط السماء بأرض قوم

رعيناه وان كانوا غضاباً

وكقول الشاعر : سعد بن مدوس الفصام الدوسري :
حضرٍ ليالي القيظ وان جاء المخاضير

بـدوٍ نطـرد بالوسامـي زهـرهـا

نهـد بالكلـب السلوقـي وبالطـيـر

ونسجها مـن برهـا اليـا بحرهـا

بخيل إلى شـدوا تبـاري المظاهيـر

من جاء يبينا جظ لا شـاف أثرهـا
كما وأنهم يتصفون أيضا بأنهم شجعان أهل قوة في الرمي وزرق (قذف) بعيد
وذلك لقوتهم عندما يوجهون الرماح لأعدائهم بحيث من تُصِيبه رماحهم
قلما ينجو وذلك لاتساع الخرق على الراقع يقول الأمير خالد السديري :

غذايا الأزد ولا الجد زايد

حمول الخيل مبعدة المرامي

ويقول أحد خصومهم معاتبا ابنه عندما عقر الدواسر فرسه :

يابوك ما خليتها تركـب العـان

وأبعدتها عن زرق خطلان الأيدي

وقد سُأل أحد فرسان الدواسر علام رمحك جريدة ؟
فأجاب :
إن أصابت فمجيدة وأن أخطأت فجريدة .
رماح الدواسر من نوع المشلشل وهي عبارة :
عن رمح حربي لسانه أربع زوايا حادة تفري وفي أسفل كل زاوية منها حلقة صغيرة فيها سلاسل قصيرة متدلية وهي تزيد من فري الطعنة
وتمزق اللحم ويوضع رأس الرمح بجريد النخل وذلك لتعطي طولا وبعدا عند الرمي ..
وفي المشلشل وقوة تأثيره يقول مشعان الهتيمي داعياً على خصومه :

يا لايمي في حبهم جعل يهـدج

بمشلشل عوده طويل رهـاوي

بمشلشل ما فيه تكعيب وعـوج

سمح القنا مع ساقه الجب هاوي

ولهذا يُدعى على خصوم الدواسر بأن تصيبه رماحهم كما أفاد

الشاعر محسن المسعري في وصف قومه :
بعيدين حذف الزرق في اللين والقسا

يديهم على عدوانهـم يندعـى بهـا

ولذا قال الظاهري في تفسيره للبيت السابق :

الزرق : الطعن بالرمح, والشطر الأول كناية عن القوة والمهارة في الطعن .

أكتفي بهذا واتمنى أن أكون قد أوصلت الفكرة للقرّاء الكرام ..

 بقلم الأستاذ والباحث التاريخي

ابن العم / مسفر محمد الشرافي ..